سورة الطلاق - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطلاق)


        


الآية الأولى:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)}.
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ}: نادى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أولا تشريفا له ثم خاطبه مع أمته، أو الخطاب له خاصة والجمع للتعظيم، وأمته أسوته في ذلك. والمعنى إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه.
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}: أي مستقبلات لعدتهن، أو في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن، أو لزمان عدتهن وهو الطهر.
والمراد أن تطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن فإذا طلقتموهن هكذا فقد طلقتموهن لعدتهن.
{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}: أي احفظوها واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى تتم العدة وهي ثلاثة قروء، والخطاب للأزواج، وقيل: للزوجات، وقيل: للمسلمين على العموم. والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}: فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضاروهن.
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}: أي التي كن فيها عند الطلاق ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن مع كونها لأزواجهن لتأكيد النهي وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة، ومثله: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34]، وقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33].
ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها، نهى الزوجات عن الخروج أيضا فقال: {وَلا يَخْرُجْنَ}: أي من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري وقيل: المراد لا يخرجن من أنفسهن إلا إذا أذن الأزواج لهن، فلا بأس، والأول أولى.
{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}: فهذا الاستثناء هو من الجملة الأولى، أي لا تخرجوهن من بيوتهن، لا من الجملة الثانية.
قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها.
وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة به على من هو ساكن معها في ذلك البيت.
ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبيّ: إلّا أن يفحشن عليكم وقيل: المعنى إلا أن يخرجن تعديا، فإن خروجهن على هذا الوجه فاحشة، وهو بعيد.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}: يعني أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حددها لهم ليس لأحد أن يتجاوزها إلى غيرها.
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ}: أي يتجاوزها إلى غيرها أو يحل شيئا منها.
{فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}: بإيرادها موارد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر، بعقوبة اللّه له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه.
{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)} قال القرطبي: قال جميع المفسرين أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، والمعنى التحريض على الطلاق الواحدة، والنهي عن الثلاث. فإنه إذا طلق ثلاثا أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع، فلا يجد إلى المراجعة سبيلا.
وقال مقاتل: بعد ذلك، أي بعد طلقة أو طلقتين أمرا بالمراجعة.
قال الواحدي: الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين.
قال الزجاج: وإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد؟! فلا معنى لقوله: لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا.


الآيتان الثانية والثالثة:
{فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)}.
{فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}: أي قاربن انقضاء أجل العدة.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}: أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن.
{أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}: أي اتركوهنّ حتى تنقضي عدتهنّ، فيملكن نفوسهن مع بقائهن بما هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن.
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}: على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما قطعا للتنازع وحسما لمادة الخصومة. والأمر للندب كما في قوله: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة: 282]
وقيل: إنه للوجوب. وإليه ذهب الشافعي.
قال: الإشهاد واجب للرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق. وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد.
{وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ}: هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شهدوا به تقربا إلى اللّه.
وقيل: الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة عند الرجعة فيكون قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أمرا بنفس الإشهاد، ويكون قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ}، أمرا بأن تكون خالصة للّه.
{ذلِكُمْ}: أي ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة.
{يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ}: وخص المؤمن.
{بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} لأنه المنتفع بذلك دون غيره.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)} مما وقع فيه من الشدائد والمحن.
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} أي من وجه لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه.
قال الشعبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة، أي من طلق كما أمر اللّه يكن له مخرج في الرجعة في العدة وأنه يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
قال الكلبي: ومن يتق اللّه بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة.
وقال الحسن: مخرجا مما نهى اللّه عنه.
وقال أبو العالية: مخرجا من كل شيء ضاق على الناس.
وقال الحسين بن الفضل: ومن يتق اللّه في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة، ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب، أي يبارك له فيما آتاه.
وقال سهل بن عبد اللّه: ومن يتق اللّه في اتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة أهل البدع، ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب، وقيل غير ذلك.
وظاهر الآية العموم، ولا وجه للتخصيص بنوع خاص، ويدخل ما فيه السياق دخولا أوليا.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}: أي ومن يثق باللّه فيما نابه كفاه ما أهمه.
{إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ}: أي بالغ ما يريده من الأمر، لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب، أو نافذ أمره لا يرده شيء.
{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)}: أي تقديرا وتوقيتا أو مقدارا، فقد جعل اللّه سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه وللرخاء أجلا ينتهي إليه.
وقال السدي: هو قد الحيض والعدة.


الآية الرابعة:
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)}.
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ}: من الكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وأيسن منه.
{إِنِ ارْتَبْتُمْ}: أي شككتم وجهلتم كيف عدتهن.
{فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}: لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض، أي فعدتهن ثلاثة أشهر أيضا، وحذف هذا لدلالة ما قبله عليه.
{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}: أي انتهاء عدتهن وضع الحمل، وظاهر الآية أن عدة الحوامل هي بالوضع سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة مستوفى، وحققنا البحث في هذه الآية وفي الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}.
وقيل: معنى {إِنِ ارْتَبْتُمْ}: إن تيقنتم.
ورجح ابن جرير أنه بمعنى الشك، وهو الظاهر.
قال الزجاج: إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن تحيض مثلها.
وقال مجاهد: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي لم تعلموا عدة الآيسة والتي لم تحض، فالعدة هذه.
وقيل: المعنى إن ارتبتم في الدم الذي يظهر منها هل هو حيض أم لا بل استحاضة، فالعدة ثلاثة أشهر.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)}: أي من يتقيه في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، يسهل عليه أمره في الدنيا والآخرة.
وقال الضحاك: من يتق اللّه فيطلق للسّنّة، يجعل له من أمره يسرا في الرجعة.
وقال مقاتل: من يتق اللّه في اجتناب معاصيه، يجعل له من أمره يسرا في توفيقه للطاعة.

1 | 2